فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ مجاهد، والجحدري، وابن أبي إسحاق، ورويت عن نافع: مثل بفتح اللام، وخرج على وجهين: أحدهما: أن تكون الفتحة فتحة بناء، وهو فاعل كحاله حين كان مرفوعًا، ولما أضيف إلى غير متمكن جاز فيه البناء، كقراءة من قرأ أنه لحق مثل ما أنكم تنطقون.
والثاني: أن تكون الفتحة فتحة إعراب، وانتصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي: إصابة مثل إصابة قوم نوح.
والفاعل مضمر يفسره سياق الكلام أي: ان يصيبكم هو أي العذاب.
وما قوم لوط منكم ببعيد، إما في الزمان لقرب عهد هلاكهم من عهدكم، إذ هم أقرب الهالكين، وإما في الكفر والمعاصي وما يستحق به الهلاك.
وأجرى بعيدًا على قوم إما باعتبار الزمان أو المكان، أي: بزمان بعيد، أو بمكان بعيد.
أو باعتبار موصوف غيرهما أي: بشيء بعيد، أو باعتبار مضاف إلى قوم أي: وما إهلاك قوم لوط.
ويجوز أن يسوي في قريب وبعيد وكثير وقليل بين المفرد والجمع، وبين المذكر والمؤنث، كما قالوا: هو صديق، وهم صديق، وهي صديق، وهن صديق.
وودود بناء مبالغة من ودّ الشيء أحبه وآثره، وهو على فعل.
وسمع الكسائي: وددت بفتح العين، والمصدر ود ووداد وودادة.
وقال بعض أهل اللغة: يجوز أن يكون ودود فعول بمعنى مفعول.
وقال المفسرون: ودود متحبب إلى عباده بالإحسان إليهم.
وقيل: محبوب المؤمنين ورحمته لعباده، ومحبته لهم سبب في استغفارهم وتوبتهم، ولولا ذلك ما وفقهم إلى استغفاره والرجوع إليه، فهو يفعل بهم فعل الوادّ بمن يودّه من الإحسان إليه.
{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ}
الرهط: قال ابن عطية جماعة الرجل، وقيل: الرهط والراهط اسم لما دون العشرة من الرجال، ولا يقع الرهط والعصبة والنفر إلا على الرجال.
وقال الزمخشري: من الثلاثة إلى العشرة.
وقيل: إلى التسعة، ويجمع على أرهط، ويجمع أرهط على أراهط، فهو جمع جمع.
قال الرماني: وأصل الرهط الشد، ومنه الرهيط شدة الأكل، والراهط اسم لجحر اليربوع لأنه يتوثق به ويخبأ فيه ولده.
{قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرًا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفًا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريًا إن ربي بما تعملون محيط ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب ولما جاء أمرنا نجينا شعيبًا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا بعدًا لمدين كما بعدت ثمود}: كانوا لا يلقون إليه أذهانهم، ولا يصغون لكلامه رغبة عنه وكراهة له كقوله تعالى: {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه} أو كانوا يفهمونه ولكنهم لم يقبلوه، فكأنهم لم يفقهوه، أو قالوا ذلك على وجه الاستهانة به كما يقول الرجل لصاحبه إذا لم يعبأ بحديثه: ما أدري ما تقول، أو جعلوا كلامه هذيانًا وتخليطًا لا يتفهم كثير منه، وكيف لا يتفهم كلامه وهو خطيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ثم الذي جاورهم به من الكلام وخاطبهم به هو من أفصح الكلام وأجله وأدله على معانيه بحيث يفقهه من كان بعيد الفهم، فضلًا عن الأذكياء العقلاء، ولكن الله تعالى أراد خذلانهم.
ومعنى ضعيفًا: لا قوة لك ولا عز فيما بيننا، فلا تقدر على الامتناع منه إن أردناك بمكروه، وعن الحسن: ضعيفًا مهينًا.
وقيل: كان ناحل البدن زمنه لا يقع في القلب منه هيبة ولا في العين منه امتلاء، والعرب تعظم بكبر الأجسام، وتذم بدمامتها.
وقال الباقر: مهجورًا لا تجالس ولا تعاشر.
وقال مقاتل: ضعيفًا أي لم يؤمن بك رهطك.
وقال السدي: وحيدًا في مذهبك واعتقادك.
وقال ابن جبير وشريك القاضي: ضعيفًا ضرير البصر أعمى.
وحكى الزهراوي والزمخشري: أنّ حمير تسمي الأعمى ضعيفًا، ويبعده تفسيره هنا بأعمى أو بناحل البدن أو بضعيف البصر كما قاله الثوري.
وزعم أبو روق: أن الله لم يبعث نبيًا أعمى، ولا نبيًا به زماتة، بل الظاهر أنه ضعيف الانتصار والقدرة.
ولولا رهطك احترموه لرهطه إذ كانوا كفارًا مثلهم، أو كان في عزة ومنعة منهم لرجمناك.
ظاهره القتل بالحجارة، وهي من شر القتلات، وبه قال ابن زيد، وقال الطبري: رجمناك بالسب، وهذا أيضًا تستعمله العرب ومنه: {لأرجمنك واهجرني مليًا} وقيل: لأبعدناك وأخرجناك من أرضنا.
وما أنت علينا بعزيز أي: لا تعز ولا تكرم حتى نكرمك من القتل، ونرفعك عن الرجم.
وإنما يعز علينا رهطك لأنهم من أهل ديننا لم يحتاجوك علينا.
وقيل: بعزيز بذي منعة، وعزة منزلة في نفوسنا.
وقيل: بذي غلبة.
وقيل: بملك، وكانوا يسمون الملك عزيزًا.
قال الزمخشري: وقد دل إيلاء ضميره حرف النفي على أن الكلام واقع في الفاعل، لا في الفعل، كأنه قيل: وما أنت علينا بعزيز بل رهطك هم الأعزة علينا، ولذلك قال في جوابهم: أرهطي أعز عليكم من الله؟ ولو قيل: وما عززت علينا لم يصح هذا الجواب.
(فإن قلت): فالكلام واقع فيه وفي رهطه وأنهم الأعزة عليهم دونه، فكيف صح قوله: أرهطي أعز عليكم من الله؟ (قلت): تهاونهم به وهو نبي الله تهاون بالله فحين عز عليهم رهطه دونه، كان رهطه أعز عليهم من الله.
ألا ترى إلى قوله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} انتهى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ} أي لا يَكسِبنّكم، من جرَمتُه ذنبًا مثلُ كسبته مالًا: {شِقَاقِى} معاداتي وأصلُهما أن أحد المتعادِيَين يكون في عُدوةٍ وشقَ والآخرُ في آخرَ: {أَن يُصِيبَكُمُ} مفعولٌ ثانٍ ليجرمنكم أي لا تكسِبْكم معاداتُكم لي أن يصيبكم: {مّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} من الغرق: {أَوْ قَوْمَ هُودٍ} من الريح: {أَوْ قَوْمَ صالح} من الصيحة والرجفةِ، وقرأ ابن كثير بضم الياء من أجرمتُه ذنبًا إذا جعلته جارِمًا له أي كاسبًا وهو منقول من جرم المتعدي إلى مفعول واحد كما نقل أكسبه المالَ من كسب المالَ فكما لا فرق بين كسبته مالًا وأكسبته إياه لا فرق جرَمته ذنبًا وأجرمتُه إياه في المعنى، إلا أن الأولَ أصحُ وأدور على ألسنة الفصحاءِ وقرأ أبو حيوة مثلَ ما أصاب بالفتح لإضافته إلى غير متمكن كقوله:
لم يمنع الشربَ منها غير أن نطَقت ** حمامةٌ في غصون ذاتُ أوقالِ

وهذا وإن كان بحسب الظاهرِ نهيًا للشقاق عن كسب إصابةِ العذابِ لكنه في الحقيقة نهيٌ للكفرة عن مشاقّته عليه السلام على ألطف أسلوبٍ وأبدعِه كما مر في سورة المائدة عند قوله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ} الآية: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ} زمانًا أو مكانًا، فإن لم تعتبروا بمن قبلَهم من الأمم المعدودةِ فاعتبروا بهم، فكأنه إنما غير أسلوبَ التحذيرِ بهم ولم يصرِّح بما أصابهم بل اكتفى بذكر قربِهم إيذانًا بأن ذلك مغنٍ عن ذكره لشهرة كونِه منظومًا في سِمْطِ ما ذُكر من دواهي الأممِ المرقومة أو ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمعاصي فلا يبعُد أن يُصيبَكم مثلُ ما أصابكم، وإفرادُ البعيدِ مع تذكيره لأن المراد وما إهلاكُهم على نية المضافِ أو وما هم بشيء بعيد، لأن المقصودَ إفادةُ عدم بعدِهم على الإطلاق لا من حيث خصوصيةُ كونِهم قومًا أو ما هم في زمان بعيد أو مكان بعيد، ولا يبعُد أن يكون ذلك لكونه على زنة المصادر كالنهيق والشهيق، ولما أنذرهم عليه السلام بسوء عاقبة صنيعِهم عقّبه طمعًا في ارعوائهم عما كانوا فيه يعمهون من طغيانهم بالحمل على الاستغفار والتوبة فقال: {واستغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ}
مر تفسيرُ مثله في أول السورة: {إِنَّ رَبّى رَحِيمٌ} عظيمُ الرحمة للتائبين: {وَدُودٌ} مبالِغٌ في فعل ما يفعل البليغُ المودةَ بمن يودّه من اللطف والإحسانِ، وهذا تعليلٌ للأمر بالاستغفار والتوبةِ وحثٌّ عليهما: {قَالُواْ يَا شُعَيْبٌ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ} الفِقهُ غرضِ المتكلّم من كلامه أي ما نفهم مرادَك، وإنما قالوه بعد ما سمعوا منه دلائلَ الحقِّ المبينِ على أحسن وجهٍ وأبلغِه وضاقت عليهم الحيلُ وعيّتْ بهم العلل، فلم يجدوا إلى محاورته سبيلًا سوى الصدودِ عن منهاج الحقِّ والسلوكِ إلى سبيل الشقاءِ كما هو ديدَنُ المُفحَمِ المحجوجِ يقابل البيناتِ بالسبّ والإبراق والإرعاد، فجعلوا كلامَه المشتملَ على فنون الحِكَم والمواعظِ وأنواعِ العلومِ والمعارفِ من قبيل ما لا يُفقه معناه ولا يُدرك فحواه وأدمجوا في ضمن ذلك أن في تضاعيفه ما يستوجب أقصى ما يكون من المؤاخذة والعقاب، ولعل ذلك ما فيه من التحذير من عواقب الأممِ السالفة ولذلك قالوا: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا} فيما بيننا: {ضَعِيفًا} لا قوة لك ولا قدرةَ على شيء من الضر والنفعِ والإيقاعِ والدفع: {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ} لولا مراعاةُ جانبِهم لا لولاهم يمانعوننا ويدافعوننا: {لرجمناك} فإن ممانعةَ الرهطِ وهو اسمٌ للثلاثة إلى السبعة أو إلى العشرة لهم وهم ألوفٌ مؤلفةٌ مما لا يكاد يُتوّهم وقد أيد ذلك بقوله عز وجل: {وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} مُكْرمٌ محْترمٌ حتى نمتنع من رجمك، وإنما نكفُ عنه للمحافظة على حرمة رهطِك الذين ثبتوا على ديننا ولم يختاروك علينا ولم يتبعوك دوننا، وإيلاءُ الضميرِ حرفَ النفي وإن لم يكن الخبرُ فعليًا غيرَ خالٍ عن الدِلالة على رجوع النفي إلى الفاعل دون الفعلِ لاسيما قرينة قولِه: ولولا رهطُك كأنه قيل: وما أنت علينا بعزيز بل رهطُك هم الأعزةُ علينا وحيث كان غرضُهم من عظيمتهم هذه عائدًا إلى نفي ما فيه عليه السلام من القوة والعزةِ الربّانيّتين حسبما يوجبه كونُه على بينة من ربه مؤيَّدًا من عنده ويقتضيه قضيةُ طلبِ التوفيقِ منه والتوكلِ عليه والإنابةِ إليه وإلى إسقاط ذلك كلِّه عن درجة الاعتدادِ به والاعتبار. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ} أي لا يكسبنكم: {شِقَاقِى} أي معاداتي، وأصلها أن أحد المتعادين يكون في عدوة وشق.
والآخر في آخر، وروي هذا عن السدي، وعن الحسن ضراري، وعن بعض فراقي، والكل متقارب، وهو فاعل يجرمنكم والكاف مفعوله الأول، وقوله سبحانه: {أَن يُصِيبَكُمُ} مفعوله الثاني، وقد جاء تعدى جرم إلى مفعولين كما جاء تعديها لواحد وهي مثل كسب في ذلك، ومن الأول قوله:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة ** (جرمت) فزارة بعدها أن يغضبوا

وإضافة شقاق إلى ياء المتكلم من إضافة المصدر إلى مفعوله أي لا يكسبنكم شقاقكم إياي أن يصيبكم: {مّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} من الغرق: {أَوْ قَوْمَ هُودٍ} من الريح: {أَوْ قَوْمَ صالح} من الرجفة والصيحة، ونهى الشقاق مجاز أو كناية عن نهيهم وهو أبلغ من توجيه النهي إليهم لأنه إذا نهى وهو لا يعقل علم نهي المشاقين بالطريق الأولى.
وقرأ ابن وثاب والأعمش: {يَجْرِمَنَّكُمْ} بضم الياء، وحكى أيضًا عن ابن كثير وهو حينئذٍ من أجرمته ذنبًا إذا جعلته جارمًا له أي كاسبًا، والهمزة للنقل من جرم المتعدي إلى مفعول واحد، ونظيره في النقل كذلك كسب المال فإنه قال فيه أكسبه المال والقراءتان سواء في المعنى إلا أن المشهور جارية على ما هو الأكثر استعمالًا في كلام الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم.
وقرأ مجاهد والجحدري وابن أبي إسحاق: {مَثَلُ} بالفتح، وروي ذلك عن نافع، وخرجه جمع على أن: {مَثَلُ} فاعل أيضًا إلا أنه بني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن، وقد جوز فيه.
وكذا في غير مع ما وأن المخففة والمشددة ذلك كالظروف المضافة للمبنى، وعلى هذا جاء قوله:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت ** حمامة في غصون ذات أو قال

وبعض على أنه نعت لمصدر محذوف والفتحة إعراب أي إصابة مثل إصابة قوم نوح، وفاعل: {يُصِيبَكُمُ} ضمير مستتر يعود على العذاب المفهوم من السياق وفيه تكلف: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ} زمانًا كما روي عن قتادة، أو مكانًا كما روي عن غيره ومراده عليه السلام أنكم إن لم تعتبروا بمن قبل لقدم عهد أو بعد مكان فاعتبروا بهؤلاء فإنهم بمرأى ومسمع منكم وكأنه إنما غير أسلوب التحذير بهم واكتفى بذكر قربهم إيذانًا بأن ذلك مغن عن ذكر ما أصابهم لشهرة كونه منظومًا في سمط ما ذكر من دواهي الأمم المرقومة، وجوز أن يراد بالبعد البعد المعنوي أي ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوئ، فاحذروا أن يحل بكم ما حل بهم من العذاب، وقد أخذ هذا المعنى بعض المتأخرين فقال:
فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم ** فما قوم لوط منكم ببعيد

وإفراد: {بَعِيدٍ} وتذكيره مع كون المخبر عنه وهو قوم اسم جمع، ومؤنثًا لفظًا على ما نص عليه الزمخشري، واستدل له بتصغيره على قويمة وذلك يقتضي أن يقال: ببعيدة موافقة للفظ وببعداء موافقة للمعنى لأن المراد، وما إهلاكهم أو وما هم بشيء بعيد، أو وما هم في زمان بعيد أو مكان بعيد، وجوز أن يكون ذلك لأنه يستوي في بعيد المذكر والمؤنث لكونه على زنة المصادر كالنهيق والصهيل.
وفي الكشف عن الجوهري أن القوم يذكر ويؤنث لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميين تذكر وتؤنث مثل رهط. ونفر. وقوم وإذا صغرت لم تدخل فيه الهاء، وقلت: قويم. ورهيط ونفير، ودخل الهاء فيما يكون لغير الآدميين مثل الإبل. والغنم لأن التأنيث لازم وبينه وبين ما نقل عن الزمخشري بون بعيد، وعليه فلا حاجة إلى التأويل، هذا ثم إنه عليه السلام لما أنذرهم سوء عاقبة صنيعهم عقبة طمعًا في اروعائهم عما هم فيه من الضلال بالحمل على الاستغفار والتوبة فقال: {واستغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} مر تفسير مثله: {إِنَّ رَبّى رَحِيمٌ} عظيم الرحمة فيرحم من يطلب منه المغفرة: {وَدُودٌ} أي كثير الود والمحبة فيحب من يتوب ويرجع إليه، والمشهور جعل الودود مجازًا باعتبار الغاية أي مبالغ في فعل ما يفعل البليغ المودة بمن يوده من اللطف والإحسان.
وجوز أن يكون كناية عند من لم يشترط إمكان المعنى الأصلي، والداعي لارتكاب المجاز أو الكناية على ما قيل: إن المودة بمعنى الميل القلب وهو ممالا يصح وصفه تعالى به، والسلفي يقول: المودة فينا الميل المذكور، وفيه سبحانه وراء ذلك مما يليق بجلال ذاته جل جلاله، وقيل: معنى: {وَدُودٌ} متحبب إلى عباده بالإحسان إليهم، وقل: محبوب المؤمنين، وتفسيره هنا بما تقدم أولى، والجملة في موضع التعليل للأمر السابق ولم يعتبر الأكثر ما أشرنا إليه من نحو التوزيع، فقال: عظيم الرحمة للتائبين مبالغ في اللطف والإحسان بهم، وهو مما لا بأس به.
{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} أي ما نفهم ذلك كأنهم جعلوا كلامه المشتمل على فنون الحكم والمواعظ وأنواع العلوم والمعارف إذ ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل ولم يجدوا إلى محاورته عليه السلام سبيلًا من قبيل التخليط والهذيان الذي لا يفهم معناه ولا يدرك فحواه، وقيل: قالوا ذلك استهانة به عليه السلام كما يقول الرجل لمن لا يعبأ به: لا أدري ما تقول، وليس فيه كثير مغايرة للأول، ويحتمل أن يكون ذلك لعدم توجههم إلى سماع كلامه عليه السلام لمزيد نفرتهم عنه أو لغباوتهم وقصور عقولهم، قيل: وقولهم: {كَثِيرًا} للفرار عن المكابرة ولا يصح أن راد به الكل وإن ورد في اللغة لأن مما تقول يأبى ذلك كما أن: {كَثِيرًا} نفسه يأبى حمل كلامهم هذا على أنه كناية عن عدم القبول، وزعم بعضهم أنهم إنما لم يفقهوا كثيرًا مما يقول لأنه عليه السلام كان ألثغ، وأظن أنه لم يفصح بذلك خبر صحيح على أن ظاهر ما جاء من وصفه عليه السلام بأنه خطيب الأنبياء يأبى ذلك.
ولعل صيغة المضارع للإيذان بالاستمرار: {وَأَنَا لِنُرِيَكَ فِينَا} أي فيما بيننا: {ضَعِيفًا} لا قوة لك ولا قدرة على شيء من الضر والنفع والإيقاع والدفع.